فصل: تفسير الآيات (29- 31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (4- 5):

القول في تأويل قوله تعالى: {تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [4- 5].
{تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ} قرئ بالرفع على المدح. أي: هو الرحمن. وبالجر على أنه صفة للموصول. وقوله: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي: علا وارتفع. قاله ابن جرير. وقد ذهب الخلف إلى جعل ذلك مجازاً عن الملك والسلطان. كقولهم: استوى فلان على سرير الملك، وإن لم يقعد على السرير أصلاً.
وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته أيضاً.
قال ابن كثير: والمسلك الأسلم في ذلك طريقة السلف، من إمرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة، من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل.
وقد أسلفنا ما حققته أئمة الفلك الحديث، من أن العرش جرم حقيقيّ موجود وأنه مركز العوالم كلها. أي: مركز الجذب والتدبير والتأثير والنظام.

.تفسير الآية رقم (6):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [6].
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى}. بيان لشمول قهره وملكته للكل. أي: كلها تحت ملكته وقهره وسلطنته وتأثيره. لا توجد ولا تتحرك ولا تسكن ولا تتغير ولا تثبت إلا بأمره.

.تفسير الآية رقم (7):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [7].
{وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}. بيان لكمال لطفه. أي: علمه نافذ في الكل. يعلم ظواهرها وبواطنها والسر وسر السر. فكذلك إن تجهر وإن تخفت، فيعلمه بجهر وخفت.

.تفسير الآية رقم (8):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [8].
{اللَّهُ} أي: ذلك المُنْزل الموصوف بهذه الصفات هو الله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أي: الفضلى، لدلالتها على معاني التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والأفعال التي هي النهاية في الحسن. وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (9- 10):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} [9- 10].
{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} من عطف القصة أو استئناف. والقصد تقرير أمر التوحيد الذي انتهى إليه الآية قبله، ببيان أنه دعوى كل نبيّ لاسيما أشهرهم نبأ، وهو موسى عليه السلام. فقد خوطب بقوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} [14] وبه ختم تعالى نبأه في هذه السورة بقوله: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [98]، أو تقرير لسعة علمه المبين في قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ} [7] إلخ لقوله بعدُ: {وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [98]، أولهما معاً. أو لحمله، صلوات الله عليه، على التأسي بموسى في الصبر والثبات. لكونه ابتلي بأَعظم من هذا فصبر، وكانت العاقبة له. وقد أشير في طليعة نبأ موسى عليه السلام، إلى كيفية ابتداء الوحي إليه، وتكليمه تعالى إياه. وذلك بعد أن قضى موسى الأجل الذي كان بينه وبين صهره في رعاية الغنم. وصار بأهله قاصداً بلاد مصر، بعد ما طالت غيبته عنها ومعه زوجته. فأضلّ الطريق. وكانت ليلة شاتية، ونزل منزلاً بين شعاب وجبال في برد وشتاء. وبينما هو كذلك إذ آنس من جانب الطور ناراً، كما قصه تعالى بقوله: {إِذْ رَأى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} أي: أبصرتها إبصاراً بيّناً لا شبهة فيه: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} أي: بشعلة مقتبسة تصطلون بها: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} أي: هادياً يدلني على الطريق.

.تفسير الآيات (11- 12):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [11- 12].
{فَلَمَّا أَتَاهَا} أي: النار: {نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} أي فيجب فيه رعاية الأدب، بتعظيمه واحترامه لتجلي الحق فيه، كما يراعى أدب القيام عند الملوك وطُوىً: اسم للوادي.

.تفسير الآيات (13- 15):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [13- 15].
{وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} أي: اصطفيتك للنبوة: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} أي: للذي يوحي. أو للوحي. ثم بينه بقوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي} أي: خصني بالعبادة: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} أي: لتذكرني فيها بقلبك ولسانك وسائر جوارحك، بأن تجعل حركاتها دالة على ما في القلب واللسان. قال أبو السعود: خصت الصلاة بالذكر وأفردت بالأمر بالعبادة، لفضلها وإنافتها على سائر العبادات، بما نيطت به من ذكر المعبود وشغل القلب واللسان بذكره. وذلك قوله تعالى: {لِذِكْرِي} أي: لتذكرني. فإن ذكري كما ينبغي لا يتحقق إلا في ضمن العبادة والصلاة. أو لتذكرني فيها لاشتمالها على الأذكار. أو لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري. أو لإخلاص ذكري وابتغاء وجهي. لا ترائي بها، ولا تقصد بها غرضاً آخر. أو لتكون ذاكراً لي غير ناس. انتهى.
ثم أشار إلى وجوب إفراده بالعبادة وإقامة الصلاة لذكره. بقوله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ} أي: واقعة لا محالة: {أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} أي: بسعيها عن اختيار منها. واللام متعلقة بآتية. ولما كان خفاء الساعة من اليقينيات وفي كاد معنى القرب من ذلك، لعدم وضعها للجزم بالفعل، تأولوا الآية على وجوه:
أحدها: أن كَادَ منه تعالى واجب. والمعنى أنا أخفيها عن الخلق. كقوله: {عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء: 51]، أي: هو قريب.
ثانيها: قال أبو مسلم: أَكَادُ بمعنى أريد كقوله: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: 76].
ومن أمثالهم المتداولة: لا أفعل ذلك ولا أكاد، أي: ولا أريد أن أفعله. قال الشهاب: تفسير أَكَادُ بأريد هو أحد معانيها. كما نقله ابن جني في المحتسب عن الأخفش. واستدلوا عليه بقوله:
كادتْ وكدتُ وتلك خيرُ إرادةٍٍ ** لو عاد من لَهْوِ الصِّبابِة مَا مَضَى

بمعنى أرادت. لقوله: تلك خير إرادة.
ثالثها: أن أَكَادُ صلة في الكلام. قال زيد الخيل.
سريعٌ إِلى الهيجاء شاكٍ سلاحُهُ ** فما إِنْ يَكَادُ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ

رابعها: أن المعنى أكاد أخفيها فلا أذكرها إِجمالاً ولا أقول هي آتية. وذلك لفرط إرادته تعالى إخفاءها. إلا أن في إِجمال ذكرها حكمة، وهي اللطف بالمؤمنين، لحثهم على الأعمال الصالحة، وقطع أعذار غيرهم حتى لا يعتذروا بعدم العلم. وثمة وجوه أخر لا تخلو من تكلف، وإن اتسع اللفظ لها. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [16].
{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} أي: عن تصديق الساعة: {مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي: ما تهواه نفسه من الشهوات وترك النظر والاستدلال: {فَتَرْدَى} أي: فتهلك.
قال الزمخشري: يعني أن من لا يؤمن بالآخرة هم الجم الغفير. إذ لا شيء أطمّ على الكفرة، ولا هم أشد له نكيراً من البعث. فلا يهولنّك وفور دهمائهم، ولا عظم سوادهم. ولا تجعل الكثرة مزلة قدمك. واعلم أنهم، وإن كثروا تلك الكثرة، فقدوتهم فيما هم فيه هو الهوى واتباعه. لا البرهان وتدابره. وفي هذا حث عظيم على العلم بالدليل، وزجر بليغ عن التقليد، وإنذار بأن الهلاك والردى مع التقليد وأهله. وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (17- 18):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [17- 18].
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} شروع فيما سيؤتيه تعالى من البرهان الباهر. وفي الاستفهام إيقاظ له وتنبيه على ما سيبدو له من عجائب الصنع: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} أي: أعتمد عليها إذا أعييت أو وقفتُ على رأس القطيع وعند الطفرة: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} أي: أخبط بها الورق وأسقطه عليها لتأكله: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} أي: حاجات أخر.

.تفسير الآيات (19- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [19- 21].
{قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} أي: هيئتها الأولى فتنتفع بها كما كنت تنتفع من قبل. أي: ليس القصد تخويفك، بل إظهار ما فيها من استعداد قبول الحياة، ومشاهدة معجزة وبرهان لك.

.تفسير الآيات (22- 23):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} [22- 23].
{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} أي: إبطك: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} أي: نيَّرة: {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} أي: قبيح وعيب كبياض البرص مما ينفر عنه. واعتمد الزمخشري، أن قوله تعالى: {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} كناية عن البرص. كما كني عن العورة بالسوأة، قال: والبرص أبغض شيء إلى العرب، وبهم عنه نفرة عظيمة. وأسماعهم لاسمه مجّاجة. فكان جديراً بأن يكنى عنه. ولا ترى أحسن ولا ألطف ولا أحرّ للمفاصل من كنايات القرآن وآدابه. انتهى {آيَةً أُخْرَى} أي: معجزة أخرى غير العصا: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} متعلق بمضمر ينساق إليه النظم الكريم. أي: أريناك ما أريناك الآن، مع أن حقهما أن يظهرا بعد التحدي والمناظرة، لنريك أولاً بعض آياتنا الكبرى، فيقوى قلبك على مناظرة الطغاة. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (24):

القول في تأويل قوله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [24].
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} تخلص إلى ما هو المقصود من تمهيد المقدمات السالفة. فصل عما قبله من الأوامر إِيذاناً بأصالته. أي: اذهب إليه بما رأيتَه من الآيات الكبرى، وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي. أفاده أبو السعود.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ طَغَى} أي: جاوز الحد في التكبّر والعتوّ، حتى تجاسر على العظيمة التي هي دعوى الربوبية. فلابد من تنبيهه على طغيانه بالدلائل العقلية، التي صدقتها المعجزات.

.تفسير الآيات (25- 28):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} [25- 28].
{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} إنما سأل ذلك، لما كان يتخوفه من آل فرعون في القتيل. ولما بعث به من صدع جبار عنيد، أطغى الملوك وأبلغهم تمرداً وكفراً، مما يحوج إلى عناية ربانية. وسأل أن يُمَدّ بمنطق فصيح، لما في لسانه من عقدة كانت بمنعه من كثير من الكلام كما قال: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} [القصص: 34]، وقول فرعون: {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52]، ثم سأل عليه السلام ربه أن يعينه بأخيه هارون، ليكون له رِدْءاً، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه، بقوله:

.تفسير الآيات (29- 31):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [29- 31].
{وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} أي: قَوِّ به ظهري.

.تفسير الآيات (32- 35):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً} [32- 35].
{وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً} أي: كي نتعاون على تسبيحك وذكرك. لأن التعاون- لأنه مهيج الرغبات- يتزايد به الخير ويتكاثر: {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً} أي: عالماً بأحوالنا، وبأن المدعوّ به مما يفيدنا.

.تفسير الآيات (36- 37):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} [36- 37].
{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} أي: أجيب دعاؤك. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله، وزيادة توطين نفس موسى عليه السلام بالقبول، ببيان أنه تعالى حيث إنعم عليه بتلك النعم التامة من غير سابقة دعاء منه وطلب، فَلأَنْ ينعم عليه بمثلها وهو طالب له وداعٍ، أولى وأحرى. وتصديره بالقسم، لكمال الاعتناء بذلك. أفاده أبو السعود.
وقوله تعالى: {مَرَّةً أُخْرَى} أي: في وقت آخر.

.تفسير الآيات (38- 39):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [38- 39].
{إِذْ أَوْحَيْنَا} أي: ألقينا بطريق الإلهام: {إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} أي: الصندوق: {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} أي: البحر، متوكلةً على خالقه: {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي} لدعواه الألوهية: {وَعَدُوٌّ لَهُ} لدعوته إلى نبذ ما يدعيه.
قال الزمخشريّ: لما كانت مشيئة الله تعالى وإرادته- أن لا تخطئ جرية اليم، الوصولَ به إلى الساحل، وإلقاءه إليه- سلك في ذلك سبيل المجاز وجعل اليم كأنه ذو تمييز أُمر بذلك، ليطيع الأمر ويمتثل رسمه. فقيل: {فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ} أي: على سبيل الاستعارة بالكناية. بتشبيه اليم بمأمور منقاد. وإثبات الأمر تخييل، وقوله تعالى: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} أي: واقعة مني، زرعتها في قلب من يراك. ولذلك أحبك فرعون: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي: ولتربَّى بيد العدوّ على نظري بالحفظ والعناية. فعلى عيني استعارة تمثيلية للحفظ والصون، لأن المصون يجعل بمرأى. قيل: وعلى بمعنى الباء لأنه بمعنى بمرأى مني، في الأصل.